رادارات» الجيران تثير المشاكل الأسرية
الرصد يتم بالمناوبات عن عدد الزوجات والعلاقات الأسرية وأسباب تغيب الأزواج
الرياض: سوسن الحميدان وهدى الصالح
انقلبت مفاهيم الجوار عند البعض في السعودية، فالجار لم يعد قبل الدار، بل أصبح جزءا من مراقبة رادارية لتحركات هذا الجار الذي كان يعد في أدبيات الحي والحارة فرداً من أفراد العائلة، قبل أن ينقلب الحال الى شك وفضول مشوب بالحذر والاتهام. أبطال المسلسلات الرمضانية الكوميدية والبرامج الكاريكاتورية الترفيهية نجحوا في تصوير واقع حال الجيران، فـ(أبو مساعد) شخصية رمضانية لا يستطيع كثير من متابعي مسلسل «طاش ما طاش» الرمضاني أن ينسوا مشاكساته الفضولية، وتطفله اذ لم يفلت أحد من جيرانه من حرارة «قفزاته» المليئة بالحسد والحقد ليصور تغير وانقلاب مفاهيم الجوار وآدابه. وتقول (نورة. غ) انه بمجرد وضع حجر الأساس الأول لأي منزل في الحي تبدأ الجهود المضنية من بعض المنازل المجاورة لمراقبة الحدث أولا بأول وذلك بالطبع يأتي مواكبا مع نشر فرق خاصة من فرق البحث والتحري مكونة من الأطفال ليبدأ عملهم الحافل بالمشقات والصعاب في مدرسة الحي لجمع كافة المعلومات الأسرية الخاصة من أسماء، وعدد أطفال منزل الجار إلى أعمارهم، كما أخذ مرض التطفل أبعادا أخرى ليتجاوز أخبار وقصص الأطفال إلى معرفة عدد زوجات الجار، ومدى استقرار العلاقة الزوجية من خلال مرابطة احد الزوجين على الأبواب والنوافذ لرصد كافة تحركات المنزل من زوار وقاطنين.
وتؤكد نورة أنها اعتادت على مشاهدة جاراتها من خلف باب منزلها صباح ومساء كل يوم وهي ترتدي الزي الرسمي للمهنة «العباءة والبرقع» والتي أكثر ما أذهلها في تلك المرأة التي أطلقت عليها اسم «زرقاء اليمامة» تمكن عينيها من تمييز مدى متن وقصر أصابع زوجها وقت تسمرها أمام نافذتها، مضيفة بدهشة تملأها ألما وحسرة عدم تردد جارتها في السؤال عن سبب تغيب زوج ابنتها التي اعتادت مشاهدته بشكل مستمر، وان كانت الأسباب صحية أم أن خلافات زوجية ومشاكل أسرية تقف خلف هذا الغياب.
وأكد (محمد. س) مشاركة بعض الأساتذة أبناءهم وفلذات أكبادهم مهمة المراقبة والبحث والتحري في المدارس، موضحا استفسار احد معلميه عن موعد نقل أجهزة التكييف إلى المنزل بعد أن راقب مهمة نقل سيارات الأثاث المنزلي يوما بيوم والذي لم يلحظ نقل وتركيب أي جهاز تكييف في المنزل.
ولم تتذكر (فاطمة. ق) يوما مر عليها منذ سكنت منزلها الجديد لم تشاهد فيه جارتها واقفة عند النافذة تراقب فيه الخارج والداخل إلى بيتهم ولا تترك المكان لا صباحا ولا مساء وإذا تعذر عليها الوقوف لأسباب قد تكون خاصة بأوقات الصلاة أرسلت ابنها لمدخل المنزل يراقب ويوافيها بالأخبار حتى تنتهي مما يشغلها والذي لا يطول وقته عادة اكثر من نصف ساعة، وتستغرب فاطمة قائلة متى تؤدي هذه المرأة أعمالها المنزلية وهي كل وقتها تقضيه معي وأسرتي في النافذة وماذا تستفيد وهي تضيق الخناق على أسرتي بمراقبتها اللصيقة.
وتلفت (ر. الحميد) إلى أن المراقبة ليست محصورة بالنساء فالرجال يشاركون النساء في ذلك «فقد ظل جارنا عاما كاملا بعد أن استأجرنا منزله يخبر زوجي إذا حضر من عمله حيث يعمل عسكريا ويظل يوما كاملا متغيبا عن المنزل بمن حضر إلينا من ضيوف وأشكالهم وأجناسهم حتى طلب منه زوجي أن يتوقف عن ذلك بعد أن لاحظ أن لهجته تحولت إلى شبه اتهام لأهل منزله وكادت أن تنشب بينه وبين الرجل معركة بسبب ذلك، لكن الجار الموقر توقف عن اخبار زوجي لكنه لم يتوقف عن مراقبة زوارنا وضيوفنا حتى تحول منزلنا إلى منزل آخر». وتقول الحميد عن هذا بأنها لم تذكر أن هذه التصرفات كانت تبدر من الجيران سابقا فقد عاشت طفولتها مع بنات الجيران كالأهل وخوفهم على بعضهم كان له صفة الأمانة والمسؤولية تجاه الجار وليس الفضول المفضي إلى المشاكل، وترجع سبب ذلك الى قلة الوازع الديني لدى الناس مما جعلهم يستهينون بحقوق الجيران حتى أصبحت عملية مراقبتهم تسلية ومغامرة. ولا تنسى (لطيفة. ج) ما سببه «تدخل جارنا اللصيق بنوع الزوار من مشاكل بيني وبين زوجي» فتقول «طبيعة عمل زوجي تتطلب سفره الدائم مما يضطرني إلى الاستعانة بأخوتي لخدمتي وأولادي فأصبحوا يحضرون إلى منزلي كل يوم حسب فراغهم مما أثار فضول الجيران الذين ابلغوا زوجي أن رجالا بأشكال مختلفة يأتون إلى منزلنا وأثار هذا البلاغ مشاكل كبيرة بيني وبينه وحللتها بأن ذهبت إلى منزل أهلي فترة سفره».
وتقول (نورة. ي) إن الفضول من الجيران خدم كثيرا في التخلص من الإرهاب الذي تعرضت له الرياض في الفترة السابقة فقد دل فضول الجيران على كثير من الحركات المشبوهة للإرهابيين خاصة المعزولين عن باقي الحي وفضح نواياهم الهدامة. من ناحيتها، أشارت (سارة. ص) إلى نموذج آخر ومختلف من إزعاج الجارات وذلك من خلال حرصهن على التسوق وتوفير كافة حوائجهم الغذائية ليس من مراكز التسوق الغذائية كما هو المعتاد وإنما من جاراتهن وبكميات تكفي لأسابيع، مؤكدة انتظار قدوم جارتها ظهر كل يوم لتملأ سفرتها بما لذ وطاب من برادها لتشمل العصائر والمخللات وكافة المقبلات.
* عقد نفسية وفراغ وفقر في المهارات الاجتماعية
* يرجع المتخصص النفسي وليد الزهرانى انتشار هذه الظاهرة في المجتمع السعودي التي أصبحت تمتلئ بها العيادات النفسية إلى عدة أسباب، منها غياب الوازع الديني ووجود عقد نفسية وانخفاض المستوى التعليمي والفراغ وفقر الفرد للمهارات الاجتماعية التي تزرعها فيه الأسرة إلى جانب التقليد والمحاكاة لما تفعله الأسرة.
وذكر أن بعض الناس غير اجتماعيين بالشكل الكافي ولذلك فهم يتمنون أن يحضوا بما يتميز به غيرهم، ولذلك يغلب على تصرفاتهم الطابع التجسسي نتيجة للإحساس بالحسرة على عدم قدرتهم على الاختلاط بالآخرين لإصابتهم بما يسمى بالنقص الاجتماعي، ولذلك يسلطون اهتمامهم على الآخرين بدلا من تسليط الضوء على مشاكلهم الخاصة، فلذلك مراقبة الجيران احد الأعمال التي يلجأ إليها المصابون بالنقص في حياتهم، مشيرا إلى أن هناك نوعاً آخر من الناس مصاباً بالهوس النفسي المرضي المخلوط بالغيرة فلذلك يراقب جيرانه بشكل كبير وقد تتحول هذه المراقبة إلى نوع من التسلط وحب الاستطلاع الكبير لجميع أفراد الحي. وأشار الزهراني إلى أن النساء مصابات بالفضول اكثر من الرجال وان توفرها بين الرجال يكون تأثرا بما يقوله النساء من أهل بيوتهم. وشدد الزهراني على خطورة هذه الظاهرة على أفراد المجتمع وما تسببه من مشاكل بين أفراد الأسرة الواحدة فمراقبة الجيران وإبلاغ رب الأسرة الغائب بمعلومات مبالغ فيها تؤدي إلى مشاكل كبيرة وتفكك في أواصر الجيرة رغم ان السنة الشريفة كادت أن تورث الجار، منوها الى أن العلاج لهذا السلوك عادة ما يكون بالحوار والنقاش بأسلوب علمي وتربوي بعيد عن العنف في ذلك وإذا لم تجد هذه الطريقة يمكن اللجوء إلى عمدة الحارة أو احد كبار السن لردع الجار ومنعه عن الاستمرار في تصرفاته.
* الانفتاح والقطيعة والتطفل
* يقول الشيخ محمد بن يعيش إمام وخطيب الجامع الخاص لخادم الحرمين الشريفين والمأذون الشرعي لعقود الزواج أن الشريعة الإسلامية رغبت وحثت على البر والإحسان على الجار وإن كان مشركا، وانقطاع العلاقة بين الجيران أمر نهت عنه الشريعة الإسلامية وهو التزام هين لا يتطلب جهدا ماديا وبدنيا. وارجع حرص الإسلام على علاقة الجوار إلى مدى التصاق الجيران ببعضهم البعض كما الأسرة الواحدة، اذ قد يلم الجار عن جاره ما قد لا يلم به احد المقربين منه، من موعد خروجه ودخوله إضافة إلى ما قد يتعلق بأسرته من عدد الأبناء وأعمارهم وخصوصيات يومية أخرى.
من ناحية أخرى، أشار اليعيش إلى نفي الرسول الكريم صفة الإيمان عن من لا يأمن جاره بوائقه حيث أن المكاشفة والمودة بين الجيران لا يجب أن تصل إلى حد التطفل والتدخل بحياة الآخرين. وأوضح دور الأطفال في إساءة العلاقة بين الأهالي الحي من خلال خلافات الأطفال مع بعضهم البعض، مشددا على البالغين بضرورة تفادي إشعال النزاعات وإخمادها في مهدها وعدم تضخيمها.
وعزا محمد اليعيش الانفتاح الذي افتقر إلى التقنين والانضباط بكونه السبب المباشر والرئيسي في الانزلاق خلف القطيعة الاجتماعية والتي لا تقتصر فقط على الجيران، وإنما أيضا شملت الأقارب والمحارم أنفسهم متسائلا كيف للرحم والبر أن يعم مجتمعاتنا بعد أن حرم أطفالها من الرضاعة الطبيعية التي لطالما أشبعت الاحتياجات النفسية والمعنوية وأرضعت معاني إنسانية طاهرة للطفل ليصبح أطفال اليوم أطفال الحليب المجفف